تاريخ مدينة الزريبة

معنى كلمة الزريبة

تعني كلمة الزريبة التحويطة أو المنطقة المسورة والصحن المكشوف "الحوش" وقد تجد هذه التسمية لعدة أماكن كدشرة الزريبة سليانة والزريبة في الجزائر وزاوية أهل الزريبة في الساقية الحمراء بالمغرب

تاريخ الزريبة

يعود التواجد البشري بمنطقة الزريبة للماضي البعيد قد نرجعها إلى العهد اللوبي أو الليبي وقد ذكر هامي في بحثه عن المعالم الجنائزية البربرية أنّ الخصائص المعمارية لقرية الزريبة تتوافق والحضارة البربرية القديمة جازما بان الشعب الوحيد الذي بقي من الأصول البربرية بجهة النفيضة هم متساكنو الزريبة وجرادو وتكرونة ومما يؤكد ذلك أيضا اكتشاف عديد الدولمينات بجبل الزريبة حسب إفادة كانيات أثناء حملة البحث والاستكشاف للبعثة الاركيولوجية إلى المنطقة خلال نهاية القرن التاسع عشر.


وان الخرائب الاثرية الكثيرة التي تتواجد بمنطقة الزريبة تؤكد تتالي الحضارات الإنسانية عليها البربرية والبونية والرومانيةوالبيزنطية ثم العربية الإسلامية ونذكر من الخرائب الأثرية المنتشرة في كل مكان فدان الزنّان وبئر سيدي بلحسن الشاذلي وبئر القليعة والقصور وحنايا عين الباطرية وحمام الزريبة الذي ارتقى في الحقبة الرومانية إلى منطقة بلدية وتحصل مواطنوها على لقب مواطن لروما لتشبعهم بالحضارة الرومانية


شهدت الزريبة معركة مضيق الفأس التي خاضها القرطاجنيون بقيادة اميلكار في إطار الحرب الافريقية (حرب الجنود المرتزقة- 241-237 ق.م) ضد الجنود المأجورين والثوار يقودهم النوميدي ماثو Matho والمرتزق الاسبرطي اسبنديوسSpendius بمنطقة الدخيلة في مدخل خنقة وادي الحمام حسبما يرجحه أستاذ التاريخ بالمعهد العلوي كورتيان حيث استغل القائد اميلكار الموقع الجغرافي للمنطقة في نصب كمين أو فخ قضى به على الثوار.

حمام الزريبة

يعود اكتشاف عين حمام الزريبة ومياهها المعدنية الحارة واستغلالها إلى عصور قديمة جدا حيث كان هذا النبع محل عناية بشرية متواصلة وغير منقطعة لمختلف الحضارات التي تداولت على البلاد التونسية، فالحمام مثل على مدى العصور والأزمان بمنطقة الزريبة ارثها التاريخي والحضاري والثقافي والاقتصادي ومصدر شهرتها الواسعة داخل البلاد التونسية وخارجها وخاصة في الأقطار المغاربية وشكل عنصرا مهما للاستقرار والاستيطان بها وضمن استمرارية الحياة البشرية حوله وبقربه.

واعتبارا لما كان يوليه الرومان من قداسة للمنابع المائية الحارة ازدهرت هذه العناية وتدعمت خلال الحقبة الرومانية بتطوير البنية الأساسية والاستغلال الكامل للعين بإحداث الحمامات والمقصورات والأحواض الجميلة والمزخرفة بالفسيفساء وحفر الأحواض في الصخور وبناء المعابد مثل بناء مجسم صغير لمعبد آلهة روما تؤكدها النصوص لبعض الرحالة والبعثات الاستكشافية الأثرية.

وحمام الزريبة تمت إعادة تهيئته على الطريقة العربية الإسلامية في منتصف القرن الثامن عشر بدعم من الباي علي باشا باي على أنقاض الحمام الروماني بإشراف الولي الصالح سيدي الزكري ليقع إعادة بنائه بالكامل بعد أن حطمته الفيضانات في سنة 1982 .

في بداية التسعينات من القرن العشرين أنشأت بلدية الزريبة المركب السياحي والحمامات الفردية والعائلية وأنجزت جدار واقي لحماية منطقة الحمام بأكملها من أخطار فيضانات وادي الحمامات
يؤم الحمام سنويا حوالي 660 ألف زائر للنقاهة والاستحمام والاستشفاء باعتباره قطبا لمعالجة الأمراض الجلدية والبرد وداء المفاصل والأمراض التناسلية وهو يمثل المورد المالي الأساسي لبلدية الزريبة ويساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في خلق موارد الرزق لمتساكني المنطقة.

العين المائية لحمام الزريبة تصل درجة حرارتها حوالي 46 درجة مما يجعلها معدلة طبيعيا وصالحة للاستحمام دون حاجة إلى أي تغييرات خارجية، ولكن هذه العين ظل تدفقها غير مستقر مما جعل بلدية الزريبة تقوم بانجاز بئر عميقة لتؤمن توفر المياه الحموية الاستشفائية الطبيعية بصورة دائمة ومستقرة.

مدينة الزريبة حمام

أحدثت مدينة الزريبة الحالية سنة 1966 عندما زار الزعيم بورقيبة منطقة الزريبة في 6 ماي 1966 ليضع حجر الأساس لبناء قرية منجمية لفائدة عمال وإطارات منجم الزريبة وأبدى استعداد الدولة لدعم أهالي الزريبة في اقتناء مواد البناء للراغبين منهم في الاستقرار بالحي الجديد بالزريبة حمام وذلك في إطار سياسة الدولة آنذاك في إقامة تجمعات سكنية بالسهول مما يسهّل عليها تركيز المرافق العامة الضرورية كالنور الكهربائي والماء الصالح للشراب...

وتعود الأسباب الداعية للهجرة الجماعية لقرية الزريبة العليا والاستقرار بالسكن بمنطقة عين الببوش لأسباب تعليمية اثر تحويل مكان الدراسة من الزريبة العليا إلى هذه المنطقة في قصر "برج القبب" بصفة ظرفية والتي تبعد حوالي 5 كلم نتيجة الغلق النهائي لمدرسة الزريبة العليا اثر تقرير فني يفيد التداعي بالسقوط لقاعات التدريس بالمدرسة الابتدائية الزريبة التونسية وانتقال الدراسة بصفة دائمة إلى المدرسة الابتدائية بالزريبة " 2 مارس 1934 " الجديدة المحدثة في سنة 1966 .إضافة إلى أسباب أخرى منها انتقال عدد هام من الأهالي للسكن وسط ضيعتاهم "البالات " المسندة إليهم في سنة 1921 وذلك في فترة الأربعينات والخمسينات ليستصلحوها ويعتنون بغراساتهم بعد تشجير الأراضي زيتونا ثم اقترانها بانطلاق الشركة المنجمية للسبات فليور في الاستغلال واستقطابها ليد عاملة من أبناء القرية وخاصة بعد سنة 1966 اثر انجاز مصنع المنجم. حيث أصبح انتقال أهالي الزريبة بالسكن في مدينة الزريبة حمام الحالية أمر واقع من اجل تقريب السكن إلى موقع العمل الجديد والى المحطة المعدنية حمام الزريبة وخاصة حرصهم على تعليم أبنائهم مما يتطلب الاستقرار بالسكن بالقرب من المدرسة الابتدائية ليمكنوا أبناءهم من مواصلة دراستهم في أحسن الظروف.

ومع دخول منجم الزريبة في الإنتاج وحاجته الماسة لليد العاملة استقرت بالزريبة عدة عائلات وقبائل من المناطق المجاورة كالجوف والباطرية ثم توسعت وتدعمت بإنشاء المنطقة الصناعية بالزريبة لتصبح مدينة الزريبة قطبا صناعيا هاما تستقطب اليد العاملة من كامل ولايات الجمهورية التونسية.
ومدينة الزريبة أصبحت منطقة بلدية في 7 ماي 1980 ومركزا للمعتمدية في 7 جويلية 1992.

الزريبة قرية

أنشئت الزريبة قرية في غضون سنة 1920 عند إنشاء تقاسيم فلاحية لفائدة المعمرين الفرنسيين وتطورت هذه القرية بإحداث مدرسة ابتدائية ومركز للبريد والبرق والهاتف ومستوصف منذ سنة 1921 ثم كنيسة وقاعة للاحتفالات وأوصلوها بالطريق المعبدة وأنشئوا فيها سوقا أسبوعية وبعض المحلات التجارية وسكنتها الجالية الفرنسية والبعض أهالي من متساكني هنشير النفيضة.

ومع إحداث الدولة لتقاسيم جديدة سنة 1972 اثر إحداث الوحدة التعاضدية بالزريبة قرية توسعت القرية واستقر بها عدد من المواطنين

محمد العربي رقاز: باحث في تاريخ وتراث منطقة الزريبة